ج3: ويستمر تنفيذ المؤامرة
و استمر تنفيذ المؤامرة ، ففي ليلة 21- 22/4/1948م قام الصهاينة ايضاً بشن هجوم او هجمات واسعة النطاق ، مكثفة على أحياء حيفا و ما كان لهم ان يتجرءوا على هذا العمل العدواني الواسع في ظل الانتداب لولا موافقة و دعم الانتداب و استلام الضوء الأخضر في هذا الهجوم و قوات الانتداب التي وفرت و أوجدت لهم الغطاء و أمنت لهم المرور و الحماية ، من جانب أخر تمنع الفلسطينيين ابناء البلاد من دخول مدينتهم حيفا لنجدة أهلهم و إخوانهم داخل البلدة المحاصرة .. و يستمر الصهاينة في عصاباتهم المسلحة المدربة من ضرب مدينة حيفا و أحياءها بالمدفعية الثقيلة و راجمات الألغام لعدة ساعات متواصلة من الليل ، حتى ليقال ان تصويب المدفعية كان محكماً و دقيقاً لان خبراء انكليز اشتركوا في عملية الرمي و العدوان و تدمير الأحياء ، بحجة ان هؤلاء يهود فقط هم من يقوم بعملية إطلاق الراجمات ، و هذه حقيقة اكدها ضابط أردني غيور شاهد عيان ، بالإضافة الى الأسلحة و المعدات الثقيلة التي سلّحها الانكليز لعصابات الصهاينة في حيفا ، بل و في كل معسكرات و مواقع الانكليز في فلسطين ، و منها الدبابات التي تركها الانكليز لليهود .
كان هجوم عصابات الصهاينة المسلحة شديداً و عنيفاً على حيفا التي لم تشهد مثيله الحرب الفلسطينية لحد ذلك التاريخ ، لا لسبب إلا لان هذا الهجوم هو بعلم و موافقة قوات الجيش البريطاني ، و بالتالي بأشرافهم في استهداف مدينة حيفا و سكانها و مناضليها و مجاهديها .. لإسقاطها و احتلالها مبكراً .. مع قراها .. التابعة لها ..
ما كان امام المقاومين الفلسطينيين في حيفا و الحالة هذه إلا الصمود و القتال الشرس و الثبات و البسالة طوال الليل قاوموا هجمات الصهاينة المدعومين ، و أوقعوا بهم الخسائر الكثيرة في االارواح ، و استماتوا في الدفاع عن حيفا عروس الساحل ، عروس البحر ، و نفذت الذخيرة من المقاومين ، و اخذ الضعف العسكري و المادي عند العرب يضعف تدريجياً و يظهر أثره على المقاومة بسبب كثافة هجوم الصهاينة ، و قلة السلاح و نفاذ الذخيرة و التموين و عدم وجود تنظيم عسكري جهادي إيماني منظم مدرب مسلح لان الانكليز لم يسمحوا بمثل ذلك طيلة ثلاثين عاماً . لتستمر المؤامرة و يستمر العدوان لإسقاط مدينة حيفا . بداية إسقاط كل فلسطين و الوطن الغالي ..
كتب مؤرخ النضال الفلسطيني صبحي ياسين ( رحمه الله ) حول هذا الموقف الخطير في حيفا ، قال : " اخذ الدفاع ينهار في صباح يوم 22/04/1948م فذهب أعضاء اللجنة القومية الى مساعد حاكم اللواء ( فايستنز برنج ) و اتصلوا معه لتدخل السلطات الانكليزية ، فطلب منهم الاتصال مع اليهود و الاتفاق معهم فقال له السيد ( فريد سعد ) : ان الحكومة هي المسئولة عن حفظ الأمن حتى نهاية الانتداب . فأجاب : هذه نصيحتي فتم الاتصال مع حاكم اللواء ( لو ) و قال له أعضاء اللجنة : إننا نحملكم مسؤولية ذبح العرب و بعد اخذ و رد و اتصالات ذهب عدد من أعضاء اللجنة القومية و قابلوا الميجر ( ستوكويل ) القائد العسكري للمنطقة و طلبوا منه تدخل الجيش البريطاني فأجاب : انه ليس مستعداً للتضحية بجنوده و انه على استعداد للتدخل شخصياً إذا طالبوه بالتوسط مع اليهود لقبول هدنة و طالبوه بالإجابة خطياً ، فقبل و كتب المذكرة التالية :
وثيقة خطيرة :
( نحن الموقعين أدناه اجتمعنا اليوم بحضور الميجر جنرال ستوكويل و البريغادير جونسون و حاكم اللواء و القنصل البريطاني و طلبنا من قائد الجيش ان يستعمل نفوذه لمساعدة العرب و وقف الهجوم ( الصهيوني ) فأجاب إنه غير مستعد للاصطدام بأحد الفريقين المتحاربين و انه لن يسمح للقوى العربية المسلحة لدخول المدينة لمساعدة السكان العرب وانه مستعد فقط للقيام للتوسط للصلح إذا قبل العرب مبدئياً بشروط الهدنة )
وقد وقعناها و وقع الميجر ايضاً . طلبنا منه معرفة شروط الهدنة فطلب إمهاله قليلاً . فذهب و عاد بعد عشر دقائق يحمل ورقة عليها شروط قيادة الهاغاناه لعقد الهدنة ، و هي عشر شروط ..!؟ و هكذا اخذ الصهاينة يفرضون الشروط .. بين ليلة وضحاها اصبحت عصابات الصهاينة المسلحة قوة و لها ان تفرض شروطاً قاسية مهينة استعلائية على العرب اصحاب البلاد و الأرض و الوطن .. ثم على الانتداب البريطاني الحاكم المنتدب الذي منحهم السلاح و المواقع و التحصينات و المعسكرات .. ان يخضع لهم و هذه هي الشروط القاسية المفروضة المرفوضة .. الشروط الغير منطقية و العدوانية ... شروط نضعها امام كل عاقل منصف نزيه غيور ليتدبرها و يطلع عليها جيداً .. للعبرة .. للتاريخ .. و حتى لا ننسى الدور البريطاني اللئيم .
الشروط :
1. تسليم جميع المهمات العسكرية العربية ( اي الفلسطينية ) من سيارات و كل أدوات القتال .
2. ان يجري تسليم ذلك في مدة لا تتجاوز الثلاث ساعات في المراكز التالية :
جسر شل ، ملتقى شارع ستانتون بالبرج ساحة الخمرة ، ملتقى شارع يافا بالمركز الجديد .
3. تسليم جميع الذكور من الغرباء لترحيلهم خلال مدة أربعة و عشرين ساعة تحت إشراف الهاغاناه.
4. تسليم جميع النازيين الأوربيين الموجودين في صفوف العرب .
5. تسليم ما ذكر في الشرط أولاً يكون للجيش البريطاني و لكن تحت إشراف الهاغاناه على ان يسلمها فيما بعد و قبل 15 – ايار سنة 1948م لقوات الهاغاناه.
6. إعلان نظام منع التجول داخل مناطق المدينة لمدة أربع و عشرين ساعة يجري خلالها تفتيش المنازل العربية على السلاح .
7. محاكمة كل شخص توجد بحيازته أسلحة بعد ذلك الوقت .
8. إزالة جميع الحواجز المقامة في الشوارع المؤدية للأحياء العربية لتيسير المرور الى جميع أنحاء المدينة .
9. بعد انتهاء نظام منع التجوال تعود الى مجراها الطبيعي في المدينة و يصبح المواطن العربي مواطناً له ما لكل مواطن يهودي .
10. اي اجتماع اخر بين الفريقين يجب ان يكون بدار بلدية حيفا . وقد حاول أعضاء اللجنة تخفيف شدة الشروط او تعديلها و لكن بدون جدوى وقد طالب ( ستوكويل ) الوفد العربي بقبول هذه الشروط المجحفة المنحازة للصهاينة الوافدين المعتدين الغرباء .. القبول بها و إلا ... !؟
ذكر فضيلة الشيخ المناضل محمد نمر الخطيب ، احد وجهاء مدينة حيفا ، عضو الجمعية الإسلامية فيها ، عن بعض جوانب مأساة بيع الانكليز حيفا للصهاينة و اهم أسرار تلك الصفقة ان إدارة الجيش البريطاني المتآمر جعل القوة العسكرية المدربة المنظمة المسلحة المجهزة بأحدث الأسلحة لصالح اليهود ، مع العمل لإضعاف اهل حيفا و قراها الصامدة بنزع السلاح قدر الإمكان من حوزة الفلسطينيين و تطويق حيفا تحت عنوان :
كيف باع الانكليز حيفا لليهود كتب الكثير اقتطف بعض ما كتبه هذه الفقرات .. الوثيقة .. المؤامرة .. و بعض ما رواه بنفسه لبعض الإخوة الفلسطينيين في بغداد بعد النكبة حيث ذكر و قال :
( و كان لليهود في حيفا فوق ميزة التفوق على العرب بالسلاح و الذخيرة و كثرة الإمدادات و كثرة المحاربين المجهزين بالسلاح الحديث ، هناك ميزة حربية أخرى لها أهميتها ، و كان لها اثرها الفعال في سقوط المدينة بأيديهم ، هي تحكمهم بالمراكز المرتفعة و سيطرتهم على جبل الكرمل بأسره ، بحكم تلك الأحياء التي منحهم إياها الانكليز ، مما يسر لهم إقامة الاستحكامات الحربية و إنشاء قواعد للمدفعية في نقاط عديدة على جبل الكرمل ، تتحكم بمداخل المدينة و تسيطر عليها بأسرها و تجعل من جميع الأحياء و المراكز العربية فيها اهدافاً سهلة لقنابلهم و لأسلحتهم و نيرانهم المستمرة .. ).
وقد ساعدهم على التمادي في عدوانهم على العرب .. هو ايضاً تشجيعهم على التسلح سواء في داخل المدينة او في ضواحيها ، و تغاضي تلك السلطات عن تهريب السلاح و المعدات الحربية لهم من الخارج .. عن طريق الميناء .. في حين كانت السلطات البريطانية تنزل اشد العقاب بكل عربي تعثر على أية قطعة سلاح معه او في منزله ."
اجل يتغاضى الانكليز عن إمدادات و شحنات السلاح و العتاد لعصابات الهاغاناه و شتيرن و الأرغون في ميناء حيفا إضافة لما سلمته سابقا ً قبل و بعد يوم 22/04/1984م من وحدات و أسلحة و رشاشات و عتاد حديث و طائرات و مدافع .. و ما سلمته لهم ايضاً من مواقع إستراتيجية و حصينة من عمارات و دوائر و مراكز الشرطة .... و جبل الكرمل و ... غيرها ...
لقد تم تدمير حيفا الآمنة .. الآهلة بسكان البلاد العزل و المدنيين .. بفعل قصف الانكليز و معهم عصابات الصهاينة قصفهم للأحياء السكنية بشكل عشوائي عدائي سافر .. مستمر و واضح و عدائي صريح .. دون مواربة .. قصف متعمد و عنيف و مستمر .. لعدة ساعات .. لعدة ايام ..
( و لم يكن عدد المجاهدين الأبطال الذين لديهم السلاح البسيط يتجاوز في اي وقت حتى ساعات سقوط حيفا في أيدي العدو أربعمائة فقط لشحة و ندرة السلاح ، و مراقبة الانكليز للمقاومين ، و لكن هؤلاء رغم كل الظروف رغم قلة العدد و العدة لشحة السلاح و الضغط الانكليزي المتزايد على المدينة – ابدوا و اظهروا هؤلاء الأربعمائة أروع ضروب البسالة و البطولة في الدفاع عن مدينتهم ما هو جدير بالفخر و الإعجاب .)
إضافة الى وجود مئات الشباب المناضلين الأبطال الذين أصروا على الدفاع عن بلدهم و وطنهم و مدينتهم فلم يجدوا بداً من استعمال الحجارة و العصي في اعمال المقاومة .. إضافة الى دور النساء الفلسطينيات ، دور نساء قرى حيفا و الساحل و كل ارض فلسطين .. دور نساء حيفا الايجابي و المشرف .. كان لهن حضور فعال و دور ايجابي مشرف ممتاز .. نساء فلسطينيات بطلات ماجدات اسهمن في الجمعيات الخيرية و في عمل الخير الكثير من إسعاف و تضميد و معالجة و خياطة و مواساة و التزام الايتام و بث الحماس و الاندفاع في أوساط الرجال المقاومين ..
يُورد الشيخ محمد نمر الخطيب بعض امثلة العطاء و البطولة و الاستشهاد في حيفا الصامدة .. للتدليل على بطولتهم و على بسالتهم ..و دورهم الرائد و الفذ في الدفاع و المقاومة و مقارعة العدو و عدم الاستسلام مهما كان الثمن ..
( و يكفي ان نشير الى الحادث التالي :- و امثاله كثيرة للتدليل على بطولتهم : اشتد القتال في ايام حيفا الأخيرة و شاءت الظروف ان يحاصر العدو عدداً من المناضلين ، لا يتجاوز عددهم عدد اصابع اليد ، في إحدى العمارات فصمدوا له صموداً رائعاً و أوقعوا به خسائر فادحة ، و ظلوا يقاومون اشرف مقاومة لمدة اكثر من أربعة و عشرين ساعة متواصلة ..و عندما نفذت ذخيرتهم أبت عليهم بسالتهم ان يستسلموا لليهود ، فما كان منهم إلا ان حطموا بنادقهم و اشعلوا النار في لغم كانوا يحتفظون به و نسفوا العمارة على انفسهم . و هكذا اختاروا الاستشهاد الكبير و ميتة الأبطال على الاستسلام لعدو غادر و جبان لا يعرف شرف الجندية و لا يفقه معنى الرجولة ..) و لا يعرف تقاليد الفروسية .. لله درّك يا ابن حيفا .. يا ابن فلسطين على هذا الإيمان و الصمود الأسطوري و العمل الاستشهادي ..
رشيد جبر الأسعد
عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين في العراق
"حقوق النشر محفوظة لموقع " فلسطينيو العراق" ويسمح بإعادة النشر بشرط ذكر المصدر"